لم أدر كيف مر علي اليوم بسرعة، لم أتمكن من إنجاز كثير مما خططت و سطرت في أمسي. تمنيت - كما كل يوم- لو حُبست الشمس في سمائها !!! لو أن اليوم ( بليله و نهاره) زاد سُويعات أخرى على عددها الأزلي !!! كنت أمني نفسي بذلك فقط، لأنني أعلم أن الوقت لا يتوقف لرغبة أحد و لا يعود لإرضاء أحد ، بل الأدهى من ذلك أنك لا تملك حتى أن تستزيد منه ببضع دريهمات بيض مما أدخرته ليومك الأسود القصير.
فالوقت لم يضع مني بسبب أحاديث طويلة تافهة أو مناقشات عديمة الفائدة و لا في مسليات ملهية أو جلسات بليدة على كرسي مقهى من مقاهي الحي المنتشرة كالفطر! إنما أردت أن أستغله إلى أقصى حد، لعلي أخرج منه بفائدة عقلية و روحية و بدنية. و خشيت و أنا في خلوتي بنفسي مع حصيلة يومي، أن أكون من المغبونين، و أنا أستحضر ما تعلمناه أيام الدراسة من قول رسول الله صلى الله عليه و سلم:" نعمتان مغبون فيهما كثيرا من الناس الصحة و الفراغ". فما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه ، نقص فيه أجلي و لم يزدد فيه عملي ، كما قال عبد الله بن مسعود.
ثم تتوالى الأقوال المأثورة تتزاحم في ذهني تذكرني بقول الحسن البصري: " يا ابن آدم ، إنما أنت أيام ، فإذا ذهب يوم ذهب بعضك". و هو الذي كان يقول:" أدركت أقواماً كانوا على أوقاتهم أشد منكم حرصاً على دراهمكم ودنانيركم ". و قول بعض الصالحين :" الفوت (ضياع الوقت ) أشد من الموت".و لعل أكثرها وقعا في نفسي و أثرا على وجداني الحديث المشهور لرسول الله صلى الله عليه وسلم : "اِغتنم خمسا قبل خمس : حياتك قبل موتك , و صحتك قبل سقمك , و فراغك قبل شغلك ,و شبابك قبل هرمك, وغناك قبل فقرك ".